كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال قتادة والضحاك: كان المؤمنون يخربون من خارج، ليدخلوا، واليهود من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم.
قال الزجاج: معنى تخريبها بأيدي المؤمنين: أنهم عرضوها لذلك.
قرأ الجمهور: {يخربون} بالتخفيف، وقرأ الحسن، والسلمي، ونصر بن عاصم، وأبو العالية، وأبو عمرو بالتشديد.
قال أبو عمرو: إنما اخترت القراءة بالتشديد، لأن الإخراب ترك الشيء خرابًا، وإنما خربوها بالهدم.
وليس ما قاله بمسلم، فإن التخريب والإخراب عند أهل اللغة بمعنى واحد.
قال سيبويه: إن معنى فعلت وأفعلت يتعاقبان نحو أخربته وخربته، وأفرحته وفرحته.
واختار القراءة الأولى أبو عبيد، وأبو حاتم.
قال الزهري، وابن زيد، وعروة بن الزبير: لما صالحهم النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلت الإبل، كانوا يستحسنون الخشبة، أو العمود، فيهدمون بيوتهم، ويحملون ذلك على إبلهم، ويخرب المؤمنون باقيها.
وقال الزهري أيضًا: {يخربون بيوتهم} بنقض المعاهدة، و{أيدي المؤمنين} بالمقاتلة، وقال أبو عمرو: بأيديهم في تركهم لها، وب {أيدي المؤمنين} في إجلائهم عنها، والجملة إما مستأنفة لبيان ما فعلوه، أو في محل نصب على الحال {فاعتبروا يا أولي الأبصار} أي: اتعظوا وتدبروا، وانظروا فيما نزل بهم يا أهل العقول والبصائر.
قال الواحدي: ومعنى الاعتبار: النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها.
{وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الجلاء لَعَذَّبَهُمْ في الدنيا} أي: لولا أن كتب الله عليهم الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه، وقضى به عليهم لعذبهم بالقتل والسبي في الدنيا، كما فعل ببني قريظة.
والجلاء: مفارقة الوطن، يقال: جلا بنفسه جلاء، وأجلاه غيره إجلاءً.
والفرق بين الجلاء والإخراج، وإن كان معناهما في الإبعاد واحدًا من جهتين: إحداهما: أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد، والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد.
الثاني: أن الجلاء لا يكون إلاّ لجماعة، والإخراج يكون لجماعة ولواحد، كذا قال الماوردي.
{وَلَهُمْ في الآخرة عَذَابُ النار} هذه الجملة مستأنفة غير متعلقة بجواب لولا متضمنة لبيان ما يحصل لهم في الآخرة من العذاب، وإن نجوا من عذاب الدنيا، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم ذكره من الجلاء في الدنيا، والعذاب في الآخرة {بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} أي: بسبب المشاقة منهم لله ولرسوله بعدم الطاعة، والميل مع الكفار، ونقض العهد {وَمَن يُشَاقّ الله فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} اقتصر هاهنا على مشاقة الله؛ لأن مشاقته مشاقة لرسوله.
قرأ الجمهور: {يشاق} بالإدغام، وقرأ طلحة بن مصرف، ومحمد بن السميفع: {يشاقق} بالفك.
{مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله} قال مجاهد: إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل، فنهاهم بعضهم، وقالوا: إنما هي مغانم للمسلمين، وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدوّ؛ فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخل، وتحليل من قطعه من الإثم فقال: {مَا قَطَعْتُمْ مّن لّينَةٍ} قال قتادة، والضحاك: إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات.
وقال محمد بن إسحاق: إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة، فقال بنو النضير، وهم أهل كتاب: يا محمد ألست تزعم أنك نبيّ تريد الصلاح، أفمن الصلاح قطع النخل، وحرق الشجر؟، وهل وجدت، فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض، فشقّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجد المسلمون في أنفسهم، فنزلت الآية، ومعنى الآية: أيُّ شيء قطعتم من ذلك أو تركتم فبإذن الله، والضمير في {تركتموها} عائد إلى {ما} لتفسيرها باللينة، وكذا في قوله: {قَائِمَةً على أُصُولِهَا}، ومعنى {على أُصُولِهَا}: أنها باقية على ما هي عليه.
واختلف المفسرون في تفسير اللينة، فقال الزهري، ومالك، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والخليل: إنها النخل كله إلاّ العجوة.
وقال مجاهد: إنها النخل كله، ولم يستثن عجوة ولا غيرها.
وقال الثوري: هي كرام النخل.
وقال أبو عبيدة: إنها جميع أنواع التمر سوى العجوة والبرني.
وقال جعفر بن محمد: إنها العجوة خاصة، وقيل: هي ضرب من النخل، يقال لتمره: اللون، تمره أجود التمر.
وقال الأصمعي: هي الدقل.
وأصل اللينة.
لونة، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وجمع اللينة لين، وقيل: ليان.
وقرأ ابن مسعود {ما قطعتم من لينة ولا تركتم قومًا على أصولها} أي: قائمة على سوقها، وقرئ: {على أصلها}، وقرئ: {قائمًا على أصوله} {وَلِيُخْزِىَ الفاسقين} أي: ليذلّ الخارجين عن الطاعة، وهم اليهود، ويغيظهم في قطعها وتركها، لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف شاءوا من القطع والترك ازدادوا غيظًا.
قال الزجاج: {وليخزي الفاسقين} بأن يريهم أموالهم يتحكم فيها المؤمنون كيف أحبوا من قطع وترك، والتقدير: وليخزي الفاسقين أذن في ذلك، يدل على المحذوف قوله: {فَبِإِذْنِ الله}، وقد استدلّ بهذه الآية على جواز الاجتهاد، وعلى تصويب المجتهدين، والبحث مستو في في كتب الأصول.
{وَمَا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ} أي: ما ردّه عليه من أموال الكفار، يقال: فاء يفيء، إذا رجع، والضمير في {منهم} عائد إلى بني النضير {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} يقال: وجف الفرس والبعير يجف وجفًا، وهو سرعة السير، وأوجفه صاحبه: إذا حمله على السير السريع، ومنه قول تميم بن مقبل:
مذ أوبد بالبيض الحديد صقالها ** عن الركب أحيانًا إذا الركب أوجفوا

وقال نصيب:
ألا رُبَّ ركب قد قطعت وجيفهم ** إليك ولولا أنت لم يوجف الركب

و{ما} في {فَمَا أَوْجَفْتُمْ} نافية، والفاء جواب الشرط إن كانت {ما} في قوله: {مَّا أَفَاء الله} شرطية، وإن موصولة، فالفاء زائدة، {ومن} في قوله: {مِنْ خَيْلٍ} زائدة للتأكيد، والركاب.
ما يركب من الإبل خاصة، والمعنى: أن ما ردّ الله على رسوله من أموال بني النضير لم تركبوا لتحصيله خيلًا، ولا إبلًا، ولا تجشمتم لها شقة، ولا لقيتم بها حربًا ولا مشقة، وإنما كانت من المدينة على ميلين، فجعل الله سبحانه أموال بني النضير لرسوله صلى الله عليه وسلم، خاصة لهذا السبب، فإنه افتتحها صلحًا، وأخذ أموالها، وقد كان سأله المسلمون أن يقسم لهم، فنزلت الآية: {ولكن الله يُسَلّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَاء} من أعدائه، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أصحابه لكونهم لم يوجفوا عليها بخيل، ولا ركاب، بل مشوا إليها مشيًا، ولم يقاسوا فيها شيئًا من شدائد الحروب، {والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} يسلط من يشاء على من أراد، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23].
{مَّا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} هذا بيان لمصارف الفيء بعد بيان أنه لرسول الله خاصة، والتكرير لقصد التقرير والتأكيد، ووضع {أهل القرى} موضع قوله: {مِنْهُمْ} أي: من بني النضير للإشعار بأن هذا الحكم لا يختصّ ببني النضير وحدهم، بل هو حكم على كل قرية يفتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلحًا، ولم يوجف عليها المسلمون بخيل ولا ركاب.
قيل: والمراد بالقرى: بنو النضير، وقريظة، وفدك، وخيبر.
وقد تكلم أهل العلم في هذه الآية والتي قبلها، هل معناهما متفق، أو مختلف؟ فقيل: معناهما متفق كما ذكرنا، وقيل: مختلف وفي ذلك كلام لأهل العلم طويل.
قال ابن العربي: لا إشكال أنها ثلاثة معانٍ في ثلاث آيات.
أما الآية الأولى، وهي قوله: {وَمَا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ} فهي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة له، وهي أموال بني النضير وما كان مثلها.
وأما الآية الثانية، وهي قوله: {مَّا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} فهذا كلام مبتدأ غير الأوّل بمستحق غير الأول، وإن اشتركت هي والأولى في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئًا أفاءه الله على رسوله، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال، واقتضت آية الأنفال، وهي الآية الثالثة أنه حاصل بقتال، وعريت الآية الثانية، وهي قوله: {مَّا أَفَاء الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} عن ذكر حصوله بقتال، أو بغير قتال، فنشأ الخلاف من ها هنا؛ فطائفة قالت: هي ملحقة بالأولى، وهي مال الصلح، وطائفة قالت: هي ملحقة بالثالثة، وهي آية الأنفال.
والذين قالوا: إنها ملحقة بآية الأنفال اختلفوا هل هي منسوخة، أو محكمة؟ هذا معنى حاصل كلامه.
وقال مالك: إن الآية الأولى من هذه السورة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، والآية الثانية: هي في بني قريظة، ويعني: أن معناها يعود إلى آية الأنفال.
ومذهب الشافعي أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة، وأنّ أربعة أخماسه كانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم وهي بعده لمصالح المسلمين {فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} المراد بقوله: {لِلَّهِ} أنه {يحكم فيه بما يشاء} {وَلِلرَّسُولِ} يكون ملكًا له {وَلِذِى القربى} وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، لأنهم قد منعوا من الصدقة، فجعل لهم حقًا في الفيء.
قيل: تكون القسمة في هذا المال على أن يكون أربعة أخماسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخمسه يقسم أخماسًا.
للرّسول خمس، ولكل صنف من الأصناف الأربعة المذكورة خمس، وقيل: يقسم أسداسًا.
السادس: سهم الله سبحانه، ويصرف إلى وجوه القرب، كعمارة المساجد، ونحو ذلك {كيلاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ} أي: كيلا يكون الفيء دولة بين الأغنياء دون الفقراء، والدولة: اسم للشيء يتداوله القوم بينهم، يكون لهذا مرّة ولهذا مرّة.
قال مقاتل: المعنى: أنه يغلب الأغنياء الفقراء، فيقسمونه بينهم.
قرأ الجمهور: {يكون} بالتحتية {دولة} بالنصب أي: كيلا يكون الفيء دولة.
وقرأ أبو جعفر، والأعرج، وهشام، وأبو حيان: {تكون} بالفوقية {دولة} بالرفع، أي: كيلا تقع، أو توجد دولة، وكان تامة.
وقرأ الجمهور: {دولة} بضم الدال، وقرأ أبو حيوة، والسلمي بفتحها.
قال عيسى بن عمر، ويونس، والأصمعي: هما لغتان بمعنى واحد.
وقال أبو عمرو بن العلاء: الدولة بالفتح الذي يتداول من الأموال، وبالضم الفعل، وكذا قال أبو عبيدة.
ثم لما بيّن لهم سبحانه مصارف هذا المال أمرهم بالاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {وَمَا ءاتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} أي: ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا عنه، ولا تأخذوه.
قال الحسن، والسديّ: ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه، وما منعكم منه فلا تطلبوه.
وقال ابن جريج: ما آتاكم من طاعتي فافعلوا، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.
والحقّ أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر أو نهي، أو قول أو فعل، وإن كان السبب خاصًا، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل شيء أتانا به من الشرع، فقد أعطانا إياه، وأوصله إلينا، وما أنفع هذه الآية وأكثر فائدتها.